المتابعة : عادل الرحموني

“ما يحك ليك جلدك غير ظفرك”، مثل مغربي يختزل حكمة شعبية عميقة، تجسدت بقوة النهضة الكروية التي يعيشها المغرب حاليا فقد أثبت المدربون والاطر الوطنية المغاربة، بأرقام وإحصائيات لا تقبل الجدل، أنهم ليسوا مجرد بديل عن المدربين الأجانب، بل هم السبب الرئيسي وراء الإنجازات غير المسبوقة التي تحققها الكرة المغربية على الصعيدين القاري والدولي، قد نختلف مع طريقتهم أو نتفق… لكنهم وبكل فخر، باتوا العمود الفقري لهذا الإقلاع الكروي المذهل الذي أبهر العالم.

لنبدأ بلغة الأرقام، فهي اللغة التي لا تكذب… تحت قيادة المدرب الوطني وليد الركراكي، حقق المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم الاول إنجازًا تاريخيًا في كأس العالم فيفا 2022 بقطر، حيث أصبح أول منتخب إفريقي وعربي يصل إلى نصف نهائي البطولة العالمية، هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة عمل منظم وإيمان عميق بقدرات اللاعبين المغاربة، وليد الركراكي، الذي تولى المهمة قبل شهرين فقط من إفتتاخ المونديال، قاد “أسود الأطلس” للتغلب على منتخبات عالمية مثل بلجيكا (2-0)، إسبانيا (3-0 بركلات الترجيح)، والبرتغال (1-0)، محققًا أعلى معدل انتصارات لمنتخب إفريقي في نسخة واحدة من كأس العالم (4 انتصارات وتعادل واحد وخسارتين من أصل 7 مباريات).
لنقارن ذلك مع أداء المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم تحت قيادة المدربين الأجانب في الفترة ما بين 2000 و2018، حيث قاد مدربون أجانب مثل الفرنسي هيرفي رينار فرغم بعض النجاحات ، مثل التأهل لكأس العالم 2018 بروسيا تحت قيادته، لم يتمكن المنتخب الوطني المغربي من تجاوز دور المجموعات… ونسبة الفوز مع المدربين الأجانب في البطولات الكبرى ككأس العالم وكأس إفريقيا مثلا لم تتجاوز نسبة 20%، بينما قفزت إلى أكثر من 57% في كأس العالم 2022 مع الاطار الوطني وليد الركراكي.

النجاح لم يقتصر على المنتخب الوطني المغربي الأول فحسب، بل امتد إلى مختلف منتخبات الفئات العمرية والبطولات القارية فمثلا الإطار الوطني جمال السلامي قاد المنتخب الوطني المغربي للمحليين للفوز بكأس إفريقيا للأمم للمحليين (شان) عام 2020 بعد سحقه للمنتخب النيجيري بنتيجة (4\0) على ارضية مركب محمد الخامس بالدارالبيضاء، وهو اللقب الذي حافظ عليه المغرب لاحقًا في النسخة الموالية تحت قيادة الاطار الوطني الحسين عموتة على أرضية ملعب ياوندي الكاميرونية على حساب المنتخب المالي بنتيجة (2\0).

كما أن المنتخب الوطني المغربي الأولمبي، بقيادة الاطار الوطني عصام الشرعي، حقق لقب كأس إفريقيا للشباب لأقل من 23 سنة عام 2023 على حساب المنتخب المصري بنتيجة (2\1) ، مؤهلاً المنتخب الوطني المغربي للأولمبياد بعد غياب لسنوات.

على صعيد كرة القدم داخل القاعة، يبرز اسم هشام الدكيك كإطار مرجعي يعتمد عليه، والذي قاد المنتخب الوطني المغربي للفوتسال للفوز بكاس أفريقيا ثلاث مرات متتالية مبرزاً سيطرة مغربية مطلقة سواء عربيا او إفريقيا أما على المستوى العالمي فقد وصل في مناسبتين متتاليتين الى مرحلة الربع النهائي من نهائيات كأس العالم سواء بليتوانيا أو بأوزبكستان.

ودون ان ننسى فوز المنتخب الوطني المغربي سيدات لكرة القدم داخل القاعة بأول نسخة من اللقب القاري رفقة الاطار الوطني عادل السايح بالقاعة المغطاة التابعة للمجمع الرياضي الامير مولاي عبد الله بالرباط على حساب المنتخب التنزاني بنتيجة (2\1).

الاطار الوطني نبيل بها حقق لقب كأس افريقيا للامم فتيان لأقل من 17 سنة وهو اللقب الاول للمغرب في هذه الفئة العمرية على ارضية ملعب البشير بالمحمدية على حساب منتخب مالي بالركلات الترجيحية.

وأخير ونتمنى ان لا يكون أخيرا وصول المنتخب الوطني المغربي شبان لأقل من 20 سنة الى المباراة النهائية لنيل اللقب الافريقي لهذه الفئة السنية على ارضية ملعب القاهرة المصرية وهو ينازل منتخب جنوب افريقيا رفقة الاطار الوطني محمد وهبي.
أما على المستوى الشخصي للاطر الوطنية، فقد تم ترشيح الاطار الوطني وليد الركراكي لجائزة أفضل مدرب في العالم لعام 2022 من قبل الاتحاد الدولي للتاريخ وإحصائيات كرة القدم، بعد قيادته للوداد البيضاوي للفوز بدوري عصبة أبطال إفريقيا والدوري المغربي الاحترافي الاول لكرة القدم، إلى جانب إنجاز المونديال.
ما الذي يجعل المدربين الوطنيين يتفوقون على نظرائهم الأجانب…؟ الإجابة تكمن في “الظفر” المغربي الذي يعرف كيف يحك الجلد الأطلسي، فالمدربون المغاربة يمتلكون فهمًا عميقًا للثقافة المحلية، ويتقنون لغة التواصل مع اللاعبين، سواء كانوا من الدوري المحلي أو من الجالية المغربية في أوروبا فخير مثال على ذلك الاطار الوطني وليد الركراكي، الذي نجح في دمج اللاعبين المغاربة المولودين في الخارج (14 لاعبًا من أصل 26 في مونديال 2022) مع المواهب المحلية، موحدًا المنتخب تحت هوية وطنية قوية.
على عكس بعض المدربين الأجانب الذين اعتمدوا على أساليب تكتيكية جامدة، ويتميز المدربون المغاربة بالمرونة والقدرة على التكيف، وهنا سنعود لخير مثال على ذلك الاطار الوطني وليد الركراكي، استخدم أسلوبًا دفاعيًا محكمًا في مواجهة المنتخبات الكبرى، مع هجمات مرتدة سريعة، مستغلاً سرعة لاعبين مثل حكيم زياش وسفيان بوفال هذا الأسلوب لم يكن مجرد خطة تكتيكية، بل انعكاس لروح “النفس المغربي” الذي يجمع بين الصمود والإبداع.
رغم هذه الإنجازات، تبقى التحديات قائمة، هناك من يرى أن الاعتماد الكبير على اللاعبين المغاربة المولودين في الخارج قد يحد من تطوير المواهب المحلية بالمغرب ومع ذلك، فإن استثمارات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بقيادة الرئيس فوزي لقجع، في أكاديميات مثل أكاديمية محمد السادس، بدأت تؤتي أكلها، مع ظهور مواهب شابة مثل بلال الخنوس وإسماعيل صيباري
كما أن المدربين الوطنيين مطالبون بالحفاظ على هذا الزخم في البطولات القادمة، مثل كأس إفريقيا للأمم 2025 التي ستستضيفها المغرب، وكأس العالم 2030 التي ستكون المغرب أحد منظميها رفقة إسبانيا والبرتغال وبالتالي الضغط سيكون كبيرًا، لكن التاريخ أثبت أن “الأظافر” المغربية قادرة على تحمل التحدي.
قد نختلف مع طريقة الاطار الوطني وليد الركراكي أو الحسين عموتة أو غيرهم، لكنهم بلا شك، كانوا السبب في وصول الكرة المغربية إلى آفاق لم تحلم بها من قبل فالأرقام والإحصائيات تؤكد أن المدربين الوطنيين حققوا ما عجز عنه الأجانب، ليس فقط بفضل معرفتهم باللعبة، بل بفضل شغفهم وانتمائهم لهذا الوطن “برافو برافو” لهم، فقد أثبتوا أن الجلد المغربي لا يحكه سوى ظفر مغربي أصيل.