تقرير : عادل الرحموني

في ظل استحقاقات كروية جسيمة على المستويات القارية والعالمية، يواصل المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم تجسيد مقولته البليغة: “المصلحة الوطنية أولاً”، شعار تحوّل إلى فلسفة راسخة في دواليب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تنعكس على أرض الواقع من خلال قرارات استراتيجية تتوازن بين الحاضر والمستقبل، بين الأسماء البارزة والواعدة، وبين النتائج الآنية والبناء طويل الأمد.
أولاً: زخم الأجندة الوطنية – الأولويات قبل كل شيء
تشهد الكرة المغربية اليوم دينامية غير مسبوقة، تترجمها النتائج الميدانية والاستعدادات المكثفة لاستحقاقات قادمة.
• تصفيات كأس العالم 2026: “أسود الأطلس” يتصدرون مجموعتهم بـ15 نقطة، بعد فوز ثمين على تنزانيا بهدفين دون رد في ملعب وجدة. أداء يؤشر على جاهزية المنتخب للتأهل مجددًا إلى العرس العالمي.
• التحضير لأمم إفريقيا 2025 (بالمغرب): الجامعة الملكية تسابق الزمن لإعداد ملاعب الرباط وطنجة، بتعاون مع شركات وطنية، لاحتضان البطولة الإفريقية على أرض الوطن، في صورة تعكس الثقة في القدرة التنظيمية للمغرب.
• الانسحاب من بطولة COSAFA: جاء قرار عدم مشاركة المنتخب الأول في بطولة كوسافا التجريبية، كمؤشر على الوعي بأهمية توزيع الجهد والتركيز على الأهم، بما يخدم المصلحة الكبرى للمنتخب.
ثانياً: الشباب في قلب الرؤية المستقبلية
إيمانًا بأن قوة المنتخب الأول تنطلق من قاعدته، منحت الجامعة الأولوية للمنتخبات الشابة.
• تألق الناشئين: الفوز بلقب كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة على حساب مالي، شكّل لحظة فارقة، أظهر فيها الحارس شعيب بلعروش وزملاؤه صلابة وتفوّقًا فنيًا، يَعِد بجيل استثنائي قادم.
• سياسة التوجيه الفردي: الجامعة اختارت عدم استدعاء آدم أزنّو للمنتخب الأول، لتمكينه من الالتحاق بكأس العالم للأندية مع بايرن ميونيخ، في خطوة تؤكد أن تنمية اللاعب على المدى البعيد أهم من المكاسب اللحظية.
ثالثا : بين النجومية والانضباط التكتيكي
إدارة النجوم داخل المنتخب باتت تتم بعين استراتيجية، تراعي مصلحة المجموعة واستمرارية الأداء.
• ملف الانتقالات والاحتراف: حالة حمزة إقمامن مثال حيّ على التعامل الذكي مع لاعبين في مفترق طرق احترافي، حيث يُستثمر بروزهم لتقوية التنافس داخل التشكيلة الوطنية، دون التأثير على استقرار المجموعة.
• الشراكة مع الأندية: الجامعة تتبنى سياسة مرنة، تُمكن اللاعبين المحترفين من التوفيق بين التزاماتهم مع أنديتهم وتطلعاتهم الوطنية، ما يعزز ثقة الفرق الأوروبية في التعاون مع المغرب.

الرؤية الاستراتيجية: تطلّع للمستقبل برؤية وطنية
بعيدًا عن الضجيج، تعمل الجامعة الملكية على بلورة مشروع متكامل يربط الرياضة بالتنمية الوطنية.
• البنية التحتية: المغرب يشهد ثورة رياضية عمرانية بفضل استثمارات ضخمة تواكب طموحات استضافة أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، بما يعكس انخراطًا سياسيًا ومجتمعيًا في دعم الرياضة.
• التكوين الشامل: البرامج لا تقتصر على اللاعبين فقط، بل تشمل تكوين الحكام، المدربين، والمسيرين الإداريين، لبناء منظومة كروية متكاملة ومستدامة.
• حسن تدبير الموارد: قرار الانسحاب من بعض المسابقات الثانوية يعكس حكمة مالية ورياضية، تُفضّل توجيه الجهد نحو أولويات وطنية ذات تأثير أكبر.
“المصلحة الوطنية أولاً”… من القول إلى الفعل
إن النجاحات المتتالية للمنتخبات المغربية، على اختلاف فئاتها، لم تأت من فراغ، بل من إرادة واضحة في جعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. وفي وقت أصبح فيه الاستثمار في كرة القدم وسيلة لإبراز صورة المغرب عالميًا، تثبت الجامعة الملكية أن حسن التدبير والرؤية البعيدة المدى يمكن أن يصنعا الفارق.
المغرب، اليوم، لا يطمح فقط إلى الألقاب، بل إلى قيادة نموذج رياضي يحتذى به قارياً ودولياً، يجمع بين الأداء الرفيع، والانتماء الصادق، والقرار الرشيد. “المصلحة الوطنية أولاً” ليست شعارًا، بل خيارًا استراتيجيًا يصنع الفرق… في الميدان وخارجه.